دور اعلمية وكفاءة الامام المهدي عليه السلام في انتصاراته
من أهم مقومات وشروط النصر أن يكون القائد واعياً بالافكار والأحداث والوجودات والاشخاص; يفهم خط السير والمرحلة، ويعرف القدرات والانجازات التي يتمتع بها ويتمتع مخالفوه واعداؤه بها; من حيث نقاط القوة والضعف، ويحدد الاولويات، ويكشف الاخطاء في بدايتها، ويفهم حركة التاريخ بماضيها وحاضرها ومستقبلها، ويكون ذا ذكاء متميز وقادراً على وضع الخطط والبرامج الناجحة والتي تساهم في النصر وحسم المعركة بأسرع الاوقات وبأقل التكاليف; فيتخذ القرار المناسب في الوقت المناسب، ويضع الرجل المناسب في الموقع العسكري والاداري والسياسي المناسب.
ووعي القائد الدخيل في النصر حقيقة موضوعية اكدتها حركة الامم والحضارات، واكدتها الدراسات العسكرية وآراء العلماء والخبراء، وفي هذا الصدد يقول «ليدل هارت»: (انّ أضمن شكل من اشكال العمل التي يمكن ادراكها وتصورها، واكثرها فاعلية للأنتصار على المدى الطويل، هو عمل الرجل الذي يقول الحقيقة دون لف أو دوران أو قيود أو تحفظات، ويسمى مثل هذا الرجل نبياً، وممّا لا ريب فيه انّ عمل النبي يتعلق بعمل القائد، وانّ على القائد ان يكون استراتيجياً وفيلسوفاً في الوقت ذاته)([1]).
ويرى جان غيتون: (انّ القائد الذي يريد أن يحقق الغلبة لابد له انّ يكون قادراً على التأمل والتفكير السليم).
ويقول أيضاً: (انّ العلم والتقنية والسياسة والاستراتيجية ليست الاّ وسائل لتقريب المرء من غرضه النهائي... ونحن لا نمجد المنتصر لحظّه في الانتصار، ولا لشجاعته فحسب، بل نمجده أيضاً لحيلته وذكائه، ولنقل: اننا نمجده لفنه المزدوج في الغلبة والاقناع، وحتى يستطيع القائد ان يحقق الغلبة، لابدّ له أن يكون قادراً على التأمل والتفكير السليم)([2]).
ويقول «بابينكو»: (البصيرة والمعرفة والارادة والنفوذ والمقدرة التنظيمية لسلك القواد، تعتبر من العوامل الهامة بدرجة بالغة، ومن شأنها تحقيق الاستعداد القتالي العالي للقوات في السلم، والنصر في الحرب... فكلما كان القائد يتمكن من التكهن بتطور المعركة المقبلة والقتال المقبل بشكل أكمل وأدق; كلما كان قراره أكثر رشداً، والطريق الى النصر أقصر، وخسائر القوات أقل)([3]).
والعلم والمعرفة تتفاوت بين القادة، فالقائد الذي تكون قيادته محدودة باقليم معين أو بجماعة معينة يكون علمه محدوداً، ولايحتاج الى اقصى درجات العلم لتحقيق الانتصار، وتأتي ضرورة الدرجات العليا من العلم كلمّا كانت القيادة أوسع وأشمل، والقيادة في موضوع الحكومة المهدوية هي قيادة عالمية تواجه جميع قوى الكفر والفسق والظلم وفي جميع ميادين الصراع، وتواجه قوى عالمية تملك قدرات وامكانات هائلة، وتملك القدرة على التخطيط والمناورة والحرب النفسية، وفي هذه المواجهة تكون الغاية والاهداف هي ازالة جميع ألوان السيطرة والاضطهاد والاستغلال، وازالة جميع الحكومات التي لاتتبنى الاسلام منهجاً في الحياة، لتقام الدولة الاسلامية العالمية; وقيادة من هذا النوع ينبغي أن تكون في أعلى مراتب ودرجات العلم والمعرفة وفي جميع مجالاتها، وينبغي ان يكون القائد أعلم الموجودين سواء كانوا من أنصاره وأتباعه أو من أعدائه.
وأعلمية الامام المهدي(عليه السلام) حقيقة ثابتة يحكم فيها العقل والمنطق السليم، وتؤكدها الروايات الشريفة وآراء العلماء والفقهاء بما فيهم علماء النفس والاجتماع.
قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «من تقدّم على قوم من المسلمين يرى أنّ فيهم من هو أفضل منه; فقد خان الله ورسوله والمسلمين»([4]).
فكيف يتقدم الامام المهدي(عليه السلام) على غيره ان لم يكن هو الأفضل في مظاهر الأفضلية ومنها العلم، وكيف يختار الله تعالى غير الأعلم إماماً؟!
وقال الامام علي(عليه السلام): «انّ أولى النّاس بالأنبياء أعلمهم بما جاؤوا به»([5]).
وقال(عليه السلام): «انّ احقّ الناس بهذا الأمر أقواهم عليه، وأعلمهم بأمر الله فيه»([6]).
والأعلمية من شروط وعلامات الامام عند جميع المذاهب، وهي أمر متسالم به عند الشيعة كما ورد عن ائمتهم(عليهم السلام)، فعن الامام جعفر الصادق(عليه السلام) قال: «عشر خصال من صفات الامام: العصمة والنصّ وان يكون أعلم الناس، وأتقاهم لله، وأعلمهم بكتاب الله»([7]).
والمتتبع لآراء علماء وفقهاء السنة يجد انهم يشترطون الأعلمية في الامام.
وفي هذا الصدد قال الباقلاني: (... ان يكون من أمثلهم في العلم وسائر هذه الأبواب التي يمكن التفاضل فيها)([8]).
ويرى الماوردي تقديم (أكثرهم فضلا وأكملهم شروطاً)([9]).
ويرى الفّراء ان يكون المتقدم للامامة (من افضلهم في العلم والدين)([10]).
ويرى علماء الاجتماع وعلماء النفس وعلماء السياسة ان يتصف القائد بالأعلمية.
يقول (ج ـ كورتوا): (على الرئيس أن يكون اكثر يقظة من الآخرين... واكثر ذكاءً)([11]).
ويرى جان جاك روسو: انّ الانسان لايخضع الى انسان مثله ولايتخذه سيداً مالم يتميز عليه([12]).
ويرى الدكتور عبد العزيز القوصي: أن يتميز القائد بذكاء نادر، وبصيرة نافذة([13]).
والامام المهدي(عليه السلام) حسب التفكير الشيعي يتلقى العلم من الله تعالى، كما ورد في روايات أهل البيت(عليهم السلام).
قال الامام محمد الباقر(عليه السلام): «انّ لله عزّوجل علمين: علم لايعلمه إلاّ هو وعلم علّمه ملائكته ورسله، فما علّمه ملائكته ورسله(عليهم السلام) فنحن نعلمه»([14]).
والمقصود من الله تعالى هو تلقي العلم اما بصورة غير مباشرة عن طريق آبائه عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) عن الله تعالى، وامّا عن طريق الالهام، وهو ماعبرت عنه الرواية التالية عن الامام موسى الكاظم(عليه السلام): «مبلغ علمنا على ثلاثة وجوه: ماض وغابر وحادث، فامّا الماضي فمفسر، وامّا الغابر فمزبور، وأمّا الحادث فقذف في القلوب، ونقر في الاسماع، وهو أفضل علمنا...»([15]).
وقال الامام جعفر الصادق(عليه السلام): «اذا اراد الامام أن يعلم شيئاً أعلمه الله ذلك»([16]).
والله تعالى هو المسدد للامام المهدي(عليه السلام) وهو القائل: ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَـنَا)([17]).
والامام المهدي(عليه السلام) حسب المفهوم الشيعي الذي يؤمن بطول عمره ومواكبته للتطورات والأحداث وحركة المجتمعات، يكون متكاملا في علمه ووعيه للاحداث و (اطلاعه على قوانين معينة للتاريخ وللمجتمع وللنفس البشرية، بشكل يفسح له فرصة التصرف في المجتمعات وسير التاريخ بطرق لم يسبق لأحد ان اطلع عليها)([18]).
فهو(عليه السلام) واكب الحضارات والدول والمجتمعات فاطلع على كلّ مقومات وجودها وتطورها وضعفها وقوتها فأصبح أعلم الناس بهذه الامور، اضافة الى الالهام الالهي وهو وحده يجعله أعلم الناس بكل مجالات وميادين العلم.
وعلى ضوء العلم الذاتي للامام(عليه السلام) ومواكبته لحركة الحضارات، وللالهام الالهي، يكون قادراً على تحقيق النصر لانّ الاعلمية التي يختص بها تجعله مطلعاً على جملة من المقومات وقادراً على تهيئة المقدمات الدخيلة في حسم المعركة وتحقيق الانتصار ومنها:
1 ـ معرفته بقوة العدو المادية والبشرية.
2 ـ معرفته بمواقع الاسلحة والذخائر العسكرية.
3 ـ معرفته بالمواقع العسكرية بجميع أصنافها: البرية والبحرية والجوية، ومعرفته بمصادر التموين والادامة.
4 ـ معرفته بالاسلحة المضادة لأسلحة الاعداء.
5 ـ معرفته بالتحالفات العسكرية.
6 ـ معرفته بمعنويات اعدائه وقدرته على اتخاذ الاساليب التي تخلق في نفوسهم الاضطراب والقلق.
7 ـ معرفته بالبرامج والخطط السرية الموضوعة من قبل اعدائه.
8 ـ معرفته بقدارت انصاره واتباعه.
9 ـ اختياره للقادة الناجحين في تولي المواقع السياسية والعسكرية.
10 ـ وضع المخططات ذات التأثير الفعال في حسم المعركة.
والامام المهدي(عليه السلام) لا يحتاج الى أحد كما دلت الروايات، وعدم الحاجة هذه تجعل خططه وبرامجه سرية لا تتسرب الى الأعداء باي لون من ألوان التسريب، وهذا الأمر ضروري في تحقيق مقدمات النصر.
وعدم حاجة الامام المهدي(عليه السلام) لأحد جاء في الرواية التالية: عن الحارث بن المغيرة النضري، قال: قلت لأبي عبد الله الحسين بن علي(عليه السلام): باي شي يعرف الامام المهدي؟
قال: «بالسكينة والوقار».
قلت: وبأي شي؟
قال: بمعرفة الحلال والحرام، وبحاجة الناس اليه، ولايحتاج الى أحد([19]).
([1]) الفكر والحرب: 7.
([2]) الفكر والحرب:8.
([3]) اسلوب عمل القائد: 24، 152.
([4]) تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل: 474.
([5]) نهج البلاغة: 484.
([6]) نهج البلاغة: 247.
([7]) بحار الانوار 25: 140.
([8]) تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل: 471.
([9]) الأحكام السلطانية: 7.
([10]) الأحكام السلطانية: 20.
([11]) لمحات في فن القيادة: 23.
([12]) في العقد الاجتماعي: 201.
([13]) علم النفس أسسه وتطبيقاته التربوية: 396.
([14]) الكافي 1: 256.
([15]) الكافي 1: 264.
([16]) الكافي 1: 258.
([17]) سورة العنكبوت: 69.
([18]) تاريخ مابعد الظهور: 511.
([19]) عقد الدرر:69.
توقيع : !●!~أمير الراَفدين ~!●!